سورة الشعراء - تفسير تفسير الشعراوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{طسم(1)}
سبق أن تكلمنا عن الحروف المقطعة في أوائل السور، وقلنا فَرْق بين اسم الحرف ومُسمّى الحرف، مُسمّى الباء مثلاً: بَا أو بُو أو بِي أو إبْ في حالة السكون، إنما اسمها: باءٌ مفتوحة، أو مضمومة، أو ساكنة، لكن حين تنطق هذا الحرف في كَتَب مثلاً تقول: كَتَبَ فتنطق مُسمَّى الحرف لا اسمه.
وقُلْنا: في هذه المسألة معانٍ كثيرة، أيسرها: أن القرآن، وهو كلام الله المعجز مُنزَّل من حروف مثل حروفكم التي تتكلمون بها، وكلمات مثل التي في لغتكم، لكن ما الذي جعله متميزاً بالإعجاز عن كلامكم؟ نقول: لأنه كلام الله، هذا هو الفَرْق، أمّا الحروف فواحدة.
ولو تأملتَ لوجدتَ أن الحروف المقطعة في أوائل السور مجموعها أربعة عشر حرفاً، هي نصف الحروف الهجائية، مرة يأتي حرف واحد، ومرة حرفان، ومرة ثلاثة أحرف، ومرة أربعة أحرف، ومرة خمسة أحرف. وهذا يدُّلنا على أن القرآن مُعْجِز، مع أنه بنفس حروفكم، وبنفس كلماتكم.
وسبق أن ضربنا لتوضيح هذه المسألة مثلاً: هَبْ أنك أردت أن تختبر جماعة في إجادة النسج مثلاً، فأعطيت أحدهم صوفاً، وللثاني حريراً، وللثالث قطناً، وللرابع كتاناً، فهل تستطيع أن تحكم على دِقَّة نَسْج كل منهم وأيهما أرقّ وأجمل؟ بالطبع لا تستطيع؛ لأن الحرير أنعم وأرقّ من القطن، والقطن أرقّ من الصوف، والصوف أرقّ من الكتان، فإنْ أردتَ تمييز الدقة والمهارة في هذه الصنعة فعليك أنْ تُوحِّد النوع.
إذن: سِرّ الإعجاز في القرآن أن تكون مادته ومادة غيره من الكلام واحدة، حروفاً وكلمات؛ لذلك كثيراً ما يقول الحق تبارك وتعالى بعد الحروف المقطعة: {تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين}


{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ(2)}
أي: أن الكتاب المبين مُكوَّن من مثل هذه الحروف، ولله تعالى معَانٍ أخرى، فيها مرادات له سبحانه، لعلّ الزمن يكشف لنا عنها.. والقرآن كلام الله، وصفاته لا تتناهى في الكمال، فإنِ استطعتَ أن تصف الأشياء، هذا كذا، وهذا كذا فهذه طاقة البشر والعقل البشري. أمّا آيات الله في كتابه المبين فهي الآيات الفاصلة التي لها بَدْء ولها ونهاية، وتتكوّن منها سور القرآن.
ومعنى {المبين} [الشعراء: 2] الواضح المحيط بكل شيء، كما قال سبحانه في آية أخرى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38].
ثم يقول الحق سبحانه: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ}


{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ(3)}
هذه هي التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه حمّل نفسه في تبليغ الرسالة فوق ما يُطيق، وفوق ما يطلبه الله منه حِِرْصاً منه على هداية الناس، وإرجاعهم إلى منهج الله؛ ليستحقوا الخلافة في الأرض، ولأن من شروط الإيمان أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك.
والحق تبارك وتعالى يُسلِّي رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال له في سورة الكهف: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث أَسَفاً} [لكهف: 6].
كأن ترى ولدك يُرهق نفسه في المذاكرة، فتشفق عليه أنْ يُهلك نفسه، فأنت تعتب عليه لصالحه، كذلك الحق تبارك وتعالى يعتب على رسوله شفقة وخوفاً عليه أنْ يُهلِك نفسه.
ومعنى {بَاخِعٌ} [الشعراء: 3] البخع: الذَّبْح الذي لا يقتصر على قَطْع المرىء والودجين، إنما يبالغ فيه حتى يفصل الفقرات، ويخرج النخاع من بينها، والمعنى: تحزن حزناً عميقاً يستولي على نفسك حتى تهلك، وهذا يدل على المشقة التي كان يعانيها الرسول صلى الله عليه وسلم من تكذيب قومه له.
وفي موضع آخر، يقول سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8] فهذا أمر نهائي واضح، ونَهْي صريح، بعد أنْ لفتَ نظره بالإنكار، فقال: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} [الشعراء: 3].
وقد نبّه الله تعالى رسوله في عِدّة مواضع حتى لا يُحمِّل نفسه فوق طاقتها، فقال الحق سبحانه وتعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ وَعَلَيْنَا الحساب} [الرعد: 40].
وقال: {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 22].
وقال: {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق: 45].
فالحق تبارك وتعالى يقول لرسوله: يسِّر على نفسك، ولا تُكلِّفها تكليفاً شاقّاً مُضْنياً، والعتاب هنا لصالح الرسول، لا عليه.
ثم يقول الحق سبحانه: {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء}

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8